كتاب ويليام دول
المنهج
في عصر ما بعد الحداثة.
ترجمة خالد بن عبد الرحمن
العوض مفيد وخاصة لمن يبحث عن عنوان لبحث في الماستر او الدكتوراه في المناهج بشكل عام او في بعض التخصصات العلمية
يتحدث هذا الكتاب عن الحداثة والحداثة وتأثيرها على المنهج يتلخص هنا
التعرف على القواعد الأساسية التي قام عليها توجه ما بعد الحداثة، حيث تعرضت إلى قضيتين أساسيتين قام عليهما التوجه ما بعد الحداثي. الأولى نفي الحقيقة المطلقة على المستوى الأنتولوجي، والثانية نفي الموضوعية والعقلانية على المستوى الإبستيمولوجي. هاتان القاعدتان وما تفرع عنهما من قواعد كان لهما أثر كبير على عناصر العملية التعليمية وعلى نظرية التعلم، حيث تغير دور المعلم من ناقل للمعلومات ومصدر لها إلى مهيئ لبيئة التعلم، وتحول دور الطالب من متلق إلى منتج وصانع للمعرفة. كذلك تغيرت طريقة التدريس من طريقة مباشرة تتمحور حول المعلم إلى طريقة الحوار والاستكشاف الذي يكون فيه للطالب الدور الأساس، محاولا فهم ما حوله ثم فهم نفسه. أيضا ازداد الاهتمام بالدور الاجتماعي في صنع المعرفة، مما أعطى الحقيقة بعدا نسبيا.
تعليق حول الكتاب منقول
متلئ معظم كتب المناهج العربية بالحديث عن المنهج في نطاقه الضيّق والمنهج في نطاقه الواسع متبوعاً بالحديث عن النماذج في بناء المناهج التي افتتحها رالف تايلور إلى الدرجة التي أصبحت تكاد تتكرر فيها هذه المفاهيم في كل كتاب عربي يتناول نظرية المنهج.
يقدّم مثل هذا الكتاب، الذي أصبح الآن في متناول القارىء العربي، لكل مهتمّ في الشأن التربوي والمنهج صورة جديدة ومختلفة عن ذلك النمط الذي تعوّد عليه القارئ العربي في الفلسفة التربوية بوجه عام ونظرية المنهج بشكل خاص.
يعتبر ويليام دول أهم عالم معاصر في المنهج اذ وصل تأثير كتاباته إلى خارج الولايات المتحدة الأمريكية حيث استعانت به الصين في تطوير مناهجها وكذلك فعلت فنلندا وهما الدولتان اللتان اشتهرتا في تسجيل أرقام مرتفعة في جميع الاختبارات الدولية التي يخوضها طلابهما.
يمثّل هذا الكتاب أهم أعمال هذا المنهِّج Curricularist وأبحاثه التي امتدت لأكثر من خمسين عاماً ومن ضمنها نظرية الراءات الأربع الشهيرة في المنهج 4R’s والتي عُرِف بها عند الصينيين. اهتمت كل من الصين وفنلندا بنتاج هذا المفكّر واستعانا به في إصلاح المنهج لديهما، رغم أن الدولتين تسجّلان أفضل الدرجات في العالم في الاختبارات الدولية. يقول ويليام دول عن تجربته هذه مع الصين وفنلندا، “رغم أن هاتين الدولتين معروفتان باهتمامهما في الاختبارات والتقويم إلا إن المسؤولين فيهما مقتنعون بأهمية ما قمنا به من أعمال وأبحاث تشجّع على بناء منهج يركّز على بناء التفكير الإبداعي بعيداً عن الاهتمام بالاختبار والدرجات. هذا الأمر لا يعني عدم الاهتمام بتسجيل درجات جيّدة في الاختبارات، لكن الاهتمام الزائد وتوجيه التعلّم نحو التقديرات العالية في الاختبارات يعيق القدرات الإبداعية لدى الطلاب وهذا ما أدركته كل من فنلندا والصين.”
يرى ويليام دول أن نموذج رالف تايلور الذائع الصيت في نظرية المنهج قد ولّى زمنه لأنه جاء في زمن كانت النظرية السلوكية هي المسيطرة في الساحة التربوية وفي سياق الفلسفة الحداثية modernism التي يراها دول قد “ماتت” ولم تعد مناسبة لعصر ما بعد الحداثة التي نعيشه في القرن الحادي والعشرين. لكن في الوقت نفسه يصرّ هذا المفكّر على أن ما يقدّمه من أفكار هنا ليس نموذجاً وإنما إطاراّ يسترشد به كل من يريد بناء منهج خاص به ينبع من السياق المحلّي الذي يطبّقه فيه. كلمة “نموذج model” لا تتناسب مع الرؤية ما بعد الحداثية post-modernism التي يتبنّاها ويليام دول، بل هي إرث حداثي يعني تطبيق أشياء ومخطّطات محدّدة سلفاً على المرء أن يتّبعها ويخضع لها.
أحد أهم الأفكار الرئيسة التي يناقشها هذا الكتاب هي أننا نعيش الآن في خضم تغيرات سياسة واجتماعية وفكرية كبيرة مع بدايات القرن الحادي والعشرين. نحن نغيّر الآن في نماذجنا، بل هو تغيير كبير في النماذج metaparadigms، من تلك التي تحمل الطبيعة الحداثية إلى تلك التي تحمل الطبيعة ما بعد الحداثية، أو هو عصر “الما بعد post” الذي لا يعني اختفاء الماضي بل هو إعادة صياغته من جديد في عالم يتسم بالتغير والاستمرارية.
جاءت ترجمة هذا الكتاب بسبب أهميته في نظرية المنهج وحاجة التربويين العرب إلى الاستفادة من الأفكار التي يطرحها خاصة وأن الإطار الذي يقدّمه ويليام دول يسمح بالاختلاف معه ومناقشته وبناء ما أسماه ريتشارد رورتي “محادثة مستمرة” معه من أجل بناء مستمر يضمن حيوية المنهج الذي بدوره يساهم في عمليات التحويل transformation لدى كل من يتعامل معه مثل الطلاب والمعلمين والمنهِّجين أنفسهم.
كلمة “التحويل” التي استخدمها ويليام دول في صفحة الإهداء في كتابه هذا من المصطلحات التي تتكرّر كثيراً في مشروعه هذا والتي تعكس الطّابع الشخصي لنوع المنهج الذي يفضّله دول فهو كما قال عنه المنهّج المعروف ويليام باينار أنه “يمارس ما يقوله”. من المصطلحات أو الكلمات المهمّة الأخرى التي يشتهر بها معجم ويليام دول في رؤيته ما بعد الحداثية للمنهج التنظيم الذاتي self-organization والفوضى chaos والبنى المبدّدة للطاقة dissipative structures والتعقيد complexity والفكر العملياتي process thought. هذه المصطلحات والأفكار هي نتاج ما استخلصه من قراءاته المكثّفة لجون ديوي- الذي كان موضوع رسالته في الدكتوراه- وجان بياجيه، وألفرد نورث وايتهيد وجيروم برونر. هؤلاء العلماء الأربعة مثّلوا الشخصيات الرئيسية التي حاول دول في كتابه هذا أن يعيد قراءتهم من جديد ويشتق من خلال ما بدأه هؤلاء العلماء رؤيته الجديدة في المنهج. لا يكتفي دول بهؤلاء فقط بل إنه يستخدم تشكيلة موسوعية بانورامية من العلماء والفلاسفة في تقديم رؤيته بدءاً من سقراط وأفلاطون وأرسطو ومروراً بنيوتين وداروين وانتهاءاً برورتي وغادامير وهايديغر. سيجد القارئ لهذا الكتاب رحلة ثقافية نادرة يأخذنا بها دول بأسلوبه البديع بين مرحلة زمنية معينة إلى أخرى بانسجام وتناغم ويربط الإسهامات السابقة باللاحقة بطريقة مساعدة على الكشف والتأمّل.
الثقافة الموسوعية التي يتمتع بها دول ساعدته على الانتقال المرن بين مختلف الفلسفات والنظريات العلمية، بل وحتى الأسماء والشخصيات التي استخدمها في كتابه بحيث يمكن أن تقابل شخصية مثيرة وهزلية مثل “شميدت” في مختلف فصول الكتاب دون أن تشعر أنه يستخدمه في المكان غير المناسب. كما أن بعض المقولات أو الأفكار الشائعة لمفكر ما والتي يجعلها دول بين علامتي الاقتباس في صدر جملته تعكس صعوبة كبيرة لدى من يحاول أن يؤوّل المعنى الذي يحاول دول أن ينقله للقارئ لأن ذلك يقتضي مراجعة كاملة لمحتوى النظرية أو الفكرة الرئيسية التي تقف خلف هذا الاقتباس لتلك المفردة أو المقولة الشائعة، مثل تلك الصعوبة التي واجهتها كمترجم له في مصطلح البنى المبدِّدة للطاقة dissipative structure والتي تقتضي مراجعة مستفيضة لهذا المفهوم الفيزيائي بالغ التعقيد حول الكون، وغيرها كثير من المصطلحات التي تعكسها ثقافة ويليام دول في الفيزياء والرياضيات، والتي يقول أنه استخدمها كثيراً في هذا الكتاب لكي يقدم وجهة نظره ما بعد الحداثية في المنهج إذ يقول أن هذا كان بسبب أن “أنني أعرف العلوم والرياضيات بشكل أفضل بكثير مما أعرفه عن الفن والمعمار والنقد السياسي أو الأدبي”، كما أن “تاريخ منهج المدرسة الأمريكية قد تم صياغته من وجهة نظر حداثية في العلوم الطبيعية أكثر من أي فرع آخر”.
لهذا فإن ترجمة ويليام دول تعكس تحدّياً كبيراً وممتعاً في نفس الوقت. أسلوبياً، اشتهر ويليام دول باستخدام الشرطة (-) في كتابته بشكل مكثّف عندما يريد إدخال جملة اعتراضية مهمّة على الجملة الرئيسة إلى الدرجة التي يحتاج فيها القارئ أحياناً إلى العودة من جديد إلى الجزء السابق لهذه الجملة الرئيسية لمتابعة السياق الذي بدأت به وانتهت إليه.
أمّا الملاحظات والإحالات التي لا تنتهي عند دول فهي عادته القديمة إذ كادت هوامشه أن تتفوّق على متن بحثه في رسالة الدكتوراه التي كتبها. كما أن لديه بعض التجارب حول الهوامش والملاحظات النهائية في مقالاته وبحوثه مع دور النشر والمجلات العلمية إذ يذكر على سبيل المثال أن أحد الناشرين طلب مقاله الموسوم “إبقاء المعرفة حيّة”، لكنه بعد أن سلّمه لدار النشر طلب المحرّرون منه عدم إبقاء الملاحظات في نهاية المقال وحذفها. يقول دول أنه سحب المقال فوراً من الكتاب “لأنه لا مجال هنا للتفاوض حيال هذا الأمر،” ولم تصدّق مجلة أخرى هذا الخبر فالتقطت المقال ونشرته على الفور من دون أي ملاحظات على الملاحظات.
كما أن المتعة والتسلية لا تغيب عن كتابات دول إذ دائماً ما يستشهد بالقصص والقصائد والأقوال المأثورة التي امتلأت بها مقدّمات فصول وعناوين كتابه هذا؛ بل إنه يستخدم بعض الصور المجازية والشعرية في الكثير من شروحاته وتعليقاته حول فكرة منهجية- مثل عبارة ميلان كونديرا الشهيرة التي يفضّلها كثيراً واستخدمها أكثر من مرة في أكثر من فصل في كتابه هذا. المجاز عنصر مهم في رؤيته الجديدة للمنهج.
ورغم أن الأفكار التي يقدّمها دول جديرة بالتأمّل والتطبيق إلا إنه يتحلّى بصفات العالم المتواضع فكان يتحفّظ على وصف اجتهاده بالنظرية أو النموذج الذي يجب أن يُتّبع وأن أفكاره هي مجرد اجتهادات بسيطة. عندما نال شهادة الدكتوراه في عام 1972، يقول ويليام دول، “كنت أتردّد وأخاف من ذكر صفتي كمنظّر في المنهج- وكنت أتمنّى ألا يسألني أحد عن المهمّة التي يمكن أن يقوم بها هذا المنظّر في المنهج.” كانت نظرية المنهج في ذلك الوقت مجالاّ جديداً ولم يكن أحد يعرف مثل هذا النوع من اللقب أو التعريف، ولهذا فقد اقترح عليه المشرف على رسالته أن يسمى نفسه منظِّراً تأسيسياً أو أصولياً “foundation” person.
بل إن دول لا يجد غضاضة من سرد بعض القصص في كتبه عن خبراته التدريسية والتي يسخر فيها من نفسه؛ إذ يعترف أنه بدأ عمله في التدريس كمعلّم سلطوي، وأن اختياره حقل المناهج وطرق التدريس قد جاء بمحض الصدفة وعن طريق الباب الخلفي، كما يقول. “استغرقت في النوم عندما كنت جالساً في الصف الأمامي في اليوم الأول من دراستي الجامعية وأنا أستمع إلى عميد جامعة كورنيل يتحدّث لنا عن التحدّيات التي يمكن أن يواجهها الطالب المستجد في الجامعة.”
بل إنه يعترف في قصّة نشرها أن بعض طلّابه في المرحلة المتوسطة كانوا أكثر ذكاءً منه. يقول دول، “في الأيام المطيرة تضطر المدرسة إلى الاجتماع في فناء داخلي بحيث يمارس المعلّمون والطلاب ألعاب الذكاء والألغاز. كان السؤال الموجّه لنا عن حيوان سقط في بئر، ولنقل أن عمقه 30 قدماً، وكان هذا الحيوان يتسلّق 3 أقدام في النهار ويتراجع ما مقداره قدمين في الليل. كم يستغرق من الوقت لكي يخرج هذا الحيوان من هذه البئر؟ استخدمتُ أنا مهاراتي التصويرية لكي أحلّ هذا اللغز عن طريق رسم صورة. لكن أحد الطلاب الأذكياء من ذلك النوع الهادئ والمنطوي على نفسه اقترح صيغة رياضية معيّنة. بمصطلحات برونر، كان الطالب يعمل في المستوى الرمزي وكنت أنا في المستوى التصويريالأدنى منه!”
يؤمن ويليام دول في رؤيته للمنهج بالسياق المحلي في أي عملية لبناء المنهج فهو لا يقدّم هنا نموذجاً يمكن الاحتذاء به أو اتّباعه، بل هو يقدّم أفكاراً استرشادية واستراتيجيات وعمليات يمكن الاستفادة منها والتحاور معها والاختلاف، إن شئتم، بالرأي معها فما هو مناسب في بيئة صفّية معينة قد لا يكون مناسباً في بيئة صفّية أخرى.
هذا الكتاب هو محاولة للتفكير في أدوار جديدة يمكن أن يقوم بها المعلّم والطالب معاً بحيث تضيء الطريق لهما وترشدهما في الرحلة الخاصة لكل واحد منهما عبر طريق بناء المعرفة التي لا نهاية لها.
أخيراً، آمل أن يساهم هذا الكتاب الذي تُرجم إلى سبع لغات حيّة حول العالم في إثراء عملية بناء المنهج في مدارسنا، وأدعو الله أن أكون قد وُفّقت في ترجمة هذا الكتاب بالطريقة التي يرضى عنها القارئ العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تكرما ادعمنا بالتعليق