للتاريخ كلمته التي لا يسكتها نفوذ أصحاب النفوذ، إن بذلوا الجهد في تأخير بيانها فلن يملكوا الجهد في القضاء عليها، وله أيضاً حكمه الذي لا يتخلف وإن احتاج إلى وقت يقلب فيه من الصفحات ما يتيح للأحداث أن توجد من الروابط ما يعين على الوصول إلى الحقيقة، تلك سنّة ثابتة يغفل عنها البعض ويحسب أن الأضواء أو القوة أو الأصحاب أو الإطراء هم صانعو التاريخ وليس ذلك إلا الوهم الذي يغلف العقل فيسد عليه منافذ التدبر والتأمل والتبصر، حتى إذا خفتت الأضواء وذوت القوة وتفرق الأصحاب وصمت الإطراء تحول المسرح إلى واقع يرى الناس الأشياء فيه على حقيقتها بل ربما تتكلم الأشياء كما يتكلم الناس وتعبر كما يعبرون.
بعض المسؤولين حين يكون في المنصب يرسم مساراً للعمل وينسج أسلوباً للأداء لا يرى فيه إلا رأيه ولا يسمع في خضم الأصوات إلا صوته، فإن أبدى أحد رأياً سفّه الرأي وأنكر على صاحبه ما ذهب إليه، وإن قال كلاماً ردّه عليه حتى لا يكاد يجرؤ أحد على إبداء رأي أو البوح بكلام، وهذا البعض ينسى أن الوظيفة ليست إلا أمانة من أمانات الحياة يكلف الإنسان بها ثم تنتقل إلى غيره كما انتقلت إليه من غيره، وأن الأيام دول وليس من مسؤول حفظت له الوظيفة إلا ما قدم لنفسه من خلالها.
من التاريخ ما يدور حول مسؤولين بعد رحيلهم أو بينهم وبين آخرين حول قضية من القضايا التي كانت فيها لهم آراء ومواقف وحسابات، ثم ينتهي كل منهم إلى النهاية المحتومة وتأخذ الأوراق تكشف عن هذه الآراء والمواقف والحسابات، وربما حاول أحدهم من جديد أن يمارس بنفس الأسلوب لكن العوامل المحيطة به والتي كانت تمنحه ما يريد لم تعد في يده فلا يتحدث حينئذ إلا الواقع الذي تحدد معالمه الوقائع وتحكم فيه الشهادات ويتذكره الناس، وربما حاول أن يزيّن أو يحسّن حتى يوهم الناس بخلاف الحال لكن للناس آذاناً وعيوناً وعقولاً لم يعد بإمكانه أن يمارس عليها تأثيراً كبيراً.
يرى المتأمل الحجج التي يوردها أحد أمناء جدة الذي جعل منها عروساً ثم لم يهيئ لها من الأسباب ما يعينها على أن تستمتع بشباب طويل، بل شاخت في زمن قصير وأصبحت تعاني العلل والأمراض والندوب والجراح في الوقت الذي كان بوسعه أن يجعلها عروساً متألقة متجددة بقليل من المال وكثير من الفكر والتعاون واحترام آراء الآخرين، ومن المؤلم أنه حين تبوأ سدتها كانت كتب المناهج والمساعدات ترسل من المملكة إلى بلد مجاور خرج من تحت عباءة الاستعمار، لكنه تجاوزنا اليوم بمسافات تكاد تكون ضوئية لأنه أخذ بأسباب التخطيط والتنظيم والتعاون وهي من أبسط قواعد الإدارة.
لم يكن يرى أي ضرورة لشبكة صرف صحي أو شبكة تصريف أمطار بل كان يحارب المنادين بها والساعين إلى قيامها ومنطقه في ذلك أن الأرض بطحاء تتشرب المياه كما أن المياه الجوفية عميقة وكأن هذه المبررات هي التي يمكن أن يقبل بها عقل سليم ينظر إلى المستقبل ليس بعد خمسين أو مائة سنة كما فعل "محمد علي" في مصر وإنما بعد عشرين وثلاثين سنة وكان حرياً به أن يتيح لزملائه في إدارات أخرى أن يقوموا هم بأماناتهم طالما أنهم أهل اختصاص وأهل دراية علمية راقية، وهذا ما أثبتته الأيام لصالحهم وخسر منطقه أمام واقع ترزح جدة تحته اليوم .
في تضييق المفهوم الإداري على الرؤية الشخصية المحدودة وإغفال حاجات ومتطلبات الآخرين من الأنانية ومن الكبر ما يهدم الإنجازات ويجعلها آنية قصيرة بحدود قصر نظر المسؤول وبحدود تضييقه على آخرين كان من الممكن أن تسهم في جعل العمل أقرب إلى تحقيق الغايات، لأن تفعيل الشورى والأخذ بمبدأ التعاون يضيفان من الإيجابيات بقدر ما يحمل كل صاحب رأي من تجربة ومن اهتمام فتتكامل التجارب وتتوسع دوائر الاهتمام لتأخذ في الحسبان كثيراً من جوانب الحياة ومن حاجات الناس.
حين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لو أن بغلة عثرت في أرض العراق لسئل عمر عنها: لِمَ لم يسوّ لها الطريق" إنما كان ينطلق من روح المدرسة التي علمته أن الأمانة هي المسؤولية في الدنيا والآخرة، وحين كان ينطلق كل ليلة يتحسس أحوال الناس ويرى كيف يعيشون إنما كان ينطلق من "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ولم يكن قد وصل الناس في الإدارة حينذاك إلى مفهوم "MBWA" أو الإدارة بالتجوال ولا بمفهوم "Eye Management" أو الإدارة بالمشاهدة كما تبينه متطلبات "الكايزن" ولكنه الفهم الصحيح للرسالة التي تهدف إلى تحقيق الخير في حياة الناس وتفعيل البر في النفوس والضمائر.
"الحكمة ضالة المؤمن هو أحق بها أنى وجدها" ، قاعدة تصلح أن نقيم عليها كثيراً من شؤوننا في الإدارة والإنتاج والتعامل اليومي ولا مبرر لأحد أن يبدأ نشاطاً إنسانياً من نقطة الصفر أو ما دون نقطة الصفر بل عليه أن ينظر إلى تجارب النجاح من حوله فيبني عليها ويواصل بل ويتفوق، ولا يفوته أيضاً أن يتأمل في تجارب الفشل حتى يحذرها ويتجنب الوقوع في شيء منها، وفي كل جوانب التنمية التي نمارسها نحن لا نعيد صناعة العجلة إلا إذا أردنا أن نكسب وقتاً أو نضيف جهوداً تحقق لنا مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة.
بعض المسؤولين حين يكون في المنصب يرسم مساراً للعمل وينسج أسلوباً للأداء لا يرى فيه إلا رأيه ولا يسمع في خضم الأصوات إلا صوته، فإن أبدى أحد رأياً سفّه الرأي وأنكر على صاحبه ما ذهب إليه، وإن قال كلاماً ردّه عليه حتى لا يكاد يجرؤ أحد على إبداء رأي أو البوح بكلام، وهذا البعض ينسى أن الوظيفة ليست إلا أمانة من أمانات الحياة يكلف الإنسان بها ثم تنتقل إلى غيره كما انتقلت إليه من غيره، وأن الأيام دول وليس من مسؤول حفظت له الوظيفة إلا ما قدم لنفسه من خلالها.
من التاريخ ما يدور حول مسؤولين بعد رحيلهم أو بينهم وبين آخرين حول قضية من القضايا التي كانت فيها لهم آراء ومواقف وحسابات، ثم ينتهي كل منهم إلى النهاية المحتومة وتأخذ الأوراق تكشف عن هذه الآراء والمواقف والحسابات، وربما حاول أحدهم من جديد أن يمارس بنفس الأسلوب لكن العوامل المحيطة به والتي كانت تمنحه ما يريد لم تعد في يده فلا يتحدث حينئذ إلا الواقع الذي تحدد معالمه الوقائع وتحكم فيه الشهادات ويتذكره الناس، وربما حاول أن يزيّن أو يحسّن حتى يوهم الناس بخلاف الحال لكن للناس آذاناً وعيوناً وعقولاً لم يعد بإمكانه أن يمارس عليها تأثيراً كبيراً.
يرى المتأمل الحجج التي يوردها أحد أمناء جدة الذي جعل منها عروساً ثم لم يهيئ لها من الأسباب ما يعينها على أن تستمتع بشباب طويل، بل شاخت في زمن قصير وأصبحت تعاني العلل والأمراض والندوب والجراح في الوقت الذي كان بوسعه أن يجعلها عروساً متألقة متجددة بقليل من المال وكثير من الفكر والتعاون واحترام آراء الآخرين، ومن المؤلم أنه حين تبوأ سدتها كانت كتب المناهج والمساعدات ترسل من المملكة إلى بلد مجاور خرج من تحت عباءة الاستعمار، لكنه تجاوزنا اليوم بمسافات تكاد تكون ضوئية لأنه أخذ بأسباب التخطيط والتنظيم والتعاون وهي من أبسط قواعد الإدارة.
لم يكن يرى أي ضرورة لشبكة صرف صحي أو شبكة تصريف أمطار بل كان يحارب المنادين بها والساعين إلى قيامها ومنطقه في ذلك أن الأرض بطحاء تتشرب المياه كما أن المياه الجوفية عميقة وكأن هذه المبررات هي التي يمكن أن يقبل بها عقل سليم ينظر إلى المستقبل ليس بعد خمسين أو مائة سنة كما فعل "محمد علي" في مصر وإنما بعد عشرين وثلاثين سنة وكان حرياً به أن يتيح لزملائه في إدارات أخرى أن يقوموا هم بأماناتهم طالما أنهم أهل اختصاص وأهل دراية علمية راقية، وهذا ما أثبتته الأيام لصالحهم وخسر منطقه أمام واقع ترزح جدة تحته اليوم .
في تضييق المفهوم الإداري على الرؤية الشخصية المحدودة وإغفال حاجات ومتطلبات الآخرين من الأنانية ومن الكبر ما يهدم الإنجازات ويجعلها آنية قصيرة بحدود قصر نظر المسؤول وبحدود تضييقه على آخرين كان من الممكن أن تسهم في جعل العمل أقرب إلى تحقيق الغايات، لأن تفعيل الشورى والأخذ بمبدأ التعاون يضيفان من الإيجابيات بقدر ما يحمل كل صاحب رأي من تجربة ومن اهتمام فتتكامل التجارب وتتوسع دوائر الاهتمام لتأخذ في الحسبان كثيراً من جوانب الحياة ومن حاجات الناس.
حين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لو أن بغلة عثرت في أرض العراق لسئل عمر عنها: لِمَ لم يسوّ لها الطريق" إنما كان ينطلق من روح المدرسة التي علمته أن الأمانة هي المسؤولية في الدنيا والآخرة، وحين كان ينطلق كل ليلة يتحسس أحوال الناس ويرى كيف يعيشون إنما كان ينطلق من "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ولم يكن قد وصل الناس في الإدارة حينذاك إلى مفهوم "MBWA" أو الإدارة بالتجوال ولا بمفهوم "Eye Management" أو الإدارة بالمشاهدة كما تبينه متطلبات "الكايزن" ولكنه الفهم الصحيح للرسالة التي تهدف إلى تحقيق الخير في حياة الناس وتفعيل البر في النفوس والضمائر.
"الحكمة ضالة المؤمن هو أحق بها أنى وجدها" ، قاعدة تصلح أن نقيم عليها كثيراً من شؤوننا في الإدارة والإنتاج والتعامل اليومي ولا مبرر لأحد أن يبدأ نشاطاً إنسانياً من نقطة الصفر أو ما دون نقطة الصفر بل عليه أن ينظر إلى تجارب النجاح من حوله فيبني عليها ويواصل بل ويتفوق، ولا يفوته أيضاً أن يتأمل في تجارب الفشل حتى يحذرها ويتجنب الوقوع في شيء منها، وفي كل جوانب التنمية التي نمارسها نحن لا نعيد صناعة العجلة إلا إذا أردنا أن نكسب وقتاً أو نضيف جهوداً تحقق لنا مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة.